الجمعة، 3 يونيو 2011

السلفية والسلفيون (1)


السلفية والسلفيون

السلفية هي تيار إسلامي ومدرسة فكرية سنية ظهرت في منطقة نجد تدعو إلى العودة إلى "نهج السلف الصالح" كما يرونه والتمسك به باعتباره يمثل نهج الإسلام الأصيل والتمسك بأخذ الأحكام من القرآن الكريم والأحاديث الصحيحة ويبتعد عن كل المدخلات الغريبة عن روح الإسلام وتعاليمه، والتمسك بما نقل عن السلف. وهي تمثل في إحدى جوانبها إحدى التيارات الإسلامية العقائدية في مقابلة الفرق الإسلامية الأخرى ، وفي جانبها الآخر المعاصر تمثل مدرسة من المدارس الفكرية الحركية السنية التي تستهدف إصلاح أنظمة الحكم والمجتمع والحياة عمومًا إلى ما يتوافق مع النظام الشرعي الإسلامي بحسب ما يرونه.برزت بمصطلحها هذا على يد أحمد بن تيمية في القرن الثامن الهجري، وقام محمد بن عبد الوهاب بإحياء هذا المصطلح من جديد في منطقة نجد في القرن الثاني عشر الهجري والتي كانت الحركة الوهابية التي أسسها من أبرز ممثلي هذه المدرسة في العصر الحديث.

نشأة السلفية

يعتقد السلفية أنهم امتداد لمدرسة أهل الحديث والأثر الذين برزوا في القرن الثالث الهجري في مواجهة المعتزلة في العصر العباسي تحت قيادة أحمد بن حنبل أحد أئمة السنة الأربعة، فكان المعتزلة يتخذون مناهج عقلية في قراءة النصوص وتأويلها واستمدوا أصولهم المنطقية من الحضارة الإغريقية عن طريق الترجمة والتعامل المباشر، ورأى أهل الحديث في هذه المناهج العقلية خطراً يهدد صفاء الإسلام وينذر بتفكك الأمة وانهيارها .انتهى هذا النزاع حين تولى الخليفة المتوكل أمر الخلافة وأطلق سراح ابن حنبل وانتصر لمنهجه ومعتقده.يعتبر الكاتب حسن أبو هنية محنة ابن حنبل في فتنة خلق القرآن بأنه: «كان حاسما في بلورة وعي سلفي عمل على بلورة موقف سلفي واضح ومتميز لأول مرة».يقول محمد أبو زهرة أنه في القرن الرابع هجريا ظهرت جماعة من أهل الحديث تنسب آرائها لابن حنبل في إثبات بعض صفات لله بدعوى أن الله أثبتها لنفسه في القرآن والسنة، وذلك الأخذ بظواهر النصوص ثم تفويض الكيف والوصف.ثم أقر هذا المنهج كمنهج رسمي للدولة العباسية في زمن الخليفة القادر بالله بناء على منشور العقيدة القادرية الذي كتبه الخليفة وأمر أن يتلى في المساجد يوم الجمعة وأخذ عليه خطوط العلماء والفقهاء. وبحسب ما ذكره ابن الجوزي في المنتظم؛ فقد أقر هذا المنهج كمنهج رسمي للدولة العباسية عام 433 هـ في زمن الخليفة القائم بأمر الله بناء على منشور العقيدة القادرية الذي كتبه الخليفة القادر. بعد ذلك شهدت السلفية انحسارًا ملحوظًا شعبيًا وسياسيًا بعد انقسام الفقهاء الإسلاميين وأهل الحديث إلى حنبلية وأشعرية ، حتى قوي جانب الأشاعرة وتبنى بعض الأمراء مذهبهم. إلى أن ظهر ابن تيمية في القرن السابع بالتزامن مع سقوط عاصمة الدولة العباسية بغداد على أيدي التتار سنة 656هـ؛ فعمل على إحياء الفكر السلفي، وقام بشن حملة على من اعتبرهم أهل البدع داعيا إلى إحياء عقيدة ومنهج السلف من أجل تحقيق النهضة. ولقد أثارت دعوته جدلاً في الأوساط الإسلامية حينها، فاستجاب بعض العلماء وطلبة العلم لأفكاره مثل الذهبي وابن قيم الجوزية والمزي. ومن أفراد الطبقة الحاكمة مثل الأمير المملوكي سلار نائب السلطنة.ثم شهدت السلفية انحساراً كبيراً مرة أخرى بعد ذلك. لتعاود الظهور مرة أخرى في القرن الثامن عشر الميلادي متمثلة في دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب في شبه الجزيرة العربية، والتي واكبت عصر انحطاط وأفول نجم الدولة العثمانية وصعود الاستعمار الغربي. وأحدثت هذه الدعوة تأثيرأً كبيراً في مختلف أنحاء العالم الإسلامي، وأحدثت لغطاً كبيراً بين مؤيديها ومعارضيها..
هى هذا النزاع حين تولى الخليفة المتوكل أمر الخلافة وأطلق سراح ابن حنبل وانتصر لمنهجه ومعتقده.
السلفيون

لغة: هم الذين يحتذون حذو السلف ،الذين سلفوا ، أى سبقوا ومضوا.
واصطلاحا: يدخل فى إطار السلفيين أغلب تيارات الفكر ومذاهبه ومدارسه بدرجات متفاوتة ومعان متمايزة ، لأن لها ماضيا ومرجعية ونموذجا ترجع إليه وتنتسب له وتحتذيه وتستصحب ثوابته ومناهجه ،وذلك إذا استثنينا تيار الحداثة بالمعنى الغربى، والتى يقيم أصحابه قطيعة معرفية مع الموروث.وإذا كان السلف هو الماضى فكلنا سلفيون.
لكن السلفيين أنواع:
فمن السلفيين من يقلد السلف ، وهؤلاء هم أهل الجمود والتقليد.
ومن السلفيين من يرجع إلى السلف ،فيجتهد فى ميراثهم وتراثهم ، مميزا فيه الثوابت عن المتغيرات والصالح للاستصحاب والاستلهام عن ما تجاوزته الوقائع المتغيرة، والعادات المتبدلة ، والأعراف المختلفة ، والمصالح المستجدة.
ومن السلفيين من يستلهم من فقه السلف ما يتطلبه فقه الواقع الجديد.
ومن السلفيين من يهاجر من واقعه المعيش إلى واقع السلف الذى تجاوزه الزمان ، وإلى تجاربهم التى طوتها القرون.
ومن السلفيين من سلفه عصر الازدهار والإبداع فى تاريخنا الحضارى.
ومن السلفيين من سلفه عصر الركاكة والتراجع فى مسيرتنا الحضارية.
ومن السلفيين من سلفه تراثنا وحضارتنا وثقافتنا الوطنية والقومية والإسلامية.
ومن السلفيين من سلفه تراث الآخر الحضارى ومذاهبه وتياراته الفلسفية والاجتماعية
، وبهذا المعنى يمكن إدخال الليبراليين الذين يحتذون حذو الليبرالية الغربية، والماركسيين اللذين يحتذون حذو الماركسية الغربية، وأمثالهم من المتغربين فى عداد السلفيين(كلفظ) الذين أصبح الموروث والماضى الغربى سلفا لهم يحتذونه أحيانا مع قدر من التحوير، وأحيانا بجمود وتقليد.
ومن السلفيين من سلفه المذاهب والتيارات النصية الحرفية فى تراثنا.
ومن السلفيين من سلفه تيارات العقلانية فى تراثنا أو النزعات الصوفية فى موروثنا الحضارى.
ومن السلفيين من سلفه مذهب تراثى بعينه يتعصب له ولا يتعداه.
ومن السلفيين من مرجعيته تراث الأمة، على اختلاف مذاهبها، يحتضنها جميعا، ويعتز بها ، ويتخير منها.ولكن مع صدق وصلاحية إدخال أغلب تيارات الفكر تحت مصطلح السلفيين ، إلا أن هذا المصطلح قد ادعاه واشتهر به وكاد يحتكره أولئك الذين غلبوا النص ، وفى أحيان كثيرة ظاهر النص على الرأى والقياس وغيرهما من سبل وآليات النظر العقلى، فوقفوا عند الرواية أكثرمن وقوفهم عند الدراية، وحرموا الاشتغال بعلم الكلام فضلا عن الفلسفات الوافدة على حضارة الإسلام ،وهؤلاء هم الذين يطلق عليهم أحيانا أهل الحديث ، لاشتغالهم بصناعة المأثور وعلوم الرواية، ورفضهم علوم النظرالعقلى. وإمام هذه المدرسة هو أبو عبد الله أحمد ابن حنبل (164-241هـ /780-855م) وفيها نجد أبرز الأئمة الذين اشتغلوا بصناعة الرواية وعلومها ، من أمثال: ابن راهويه (238هـ/852م) وإمام علم الجرح والتعديل ، وأصحاب الصحاح والجوامع والمسانيد: البخارى (256هـ/870م) ، وأبو داود (275هـ/888م) ، والدارمى (280هـ/893م) ، والطبرانى (360هـ/971م)، والبيهقى (458هـ/1066م) إلخ...وعن هذا المنهاج يعبر ابن القيم ، فيقول: "إن النصوص محيطة بأحكام الحوادث ، ولم يحلنا الله ولا رسوله على رأى ولا قياس ، وإن الشريعة لم تخوجنا إلى قياس قط ، وإن فيها غنية عن كل رأى وقياس وسياسة واستحسان ، ولكن ذلك مشروط بفهم يؤتيه الله عبده فيها". فلقد ظل النص وحده هو المرجع عند هؤلاء السلفيين ، لكن التطور قد أصاب هذا المنهاج النصى -فى مرحلة ابن القيم- فحدث إعمال الفهم والعقل فى النصوص ، دون الاكتفاء بالوقوف عند ظواهر هذه النصوص. ولقد كان غلو هؤلاء السلفيين فى الانحياز إلى النص وحده ، ثمرة لعوامل كثيرة، منها: مخافة غلو مضاد انحاز أهله لأفكارهم 
ولأن هذه النزعات جميعها -النصية منها والعقلانية والباطنية- قد شابها قدر، كثير أو قليل ، من الغلو، فلقد ظلت عاجزة عن استقطاب جمهور الأمة، وانحاز هذا الجمهور إلى النزعة الوسطية فى السلفية، تلك التى جمعت بين النقل والعقل ووازنت بينهما، وهىالأشعرية التى أسسها إمامها أبو الحسن الأشعرى: على بن إسماعيل (260-324هـ/874-936م) ففى هذه المدرسة من مدارس السلفيين اجتمع النقل والمأثور مع النظر العقلى والاشتغال بعلم الكلام -الذى حرم السلفيون النصيون الاشتغال به- مع علم أصول الفقه ، الذى يمثل فلسفة العقلانية الإسلامية فى التشريع.
ثم تطورت هذه المدرسة -بعد مرحلة التأسيس- على يد كوكبة من أئمتها، فى مقدمتهم الباقلانى: أبو بكر محمد بن أبى الطيب (453هـ-1013م) وإمام الحرمين الجوينى: أبو المعالى عبد الملك بن عبد الله ابن يوسف (419-478هـ/1028-1085م) وحجة الإسلام أبو حامد الغزالى (450- 505هـ/1058-1111م).وعلى امتداد تاريخ الحضارة الإسلامية، ظلت هذه الصورة وهذه الموازنة ملحوظة فى مدارس ومذاهب السلفيين ، فالنزعة النصية تمثلها فى عصرنا الحديث وواقعنا المعاصر دعوة   محمد بن عبد الوهاب (1115-1206هـ/1702-1792م) المسماة بالوهابية ، بينما لا تزال الأشعرية، الممثلة للعقلانية،النصية، تستقطب جمهور المسلمين.لأنها هي الأساس . ( يتبع )
من اعداد / جـــــى

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما رأيك فى مدونة هاجى ؟