السبت، 29 أبريل 2017

الهجرة إلى الداخل

-------------------
إستند برأسه إلى النافذة المجاورة له فى الطائرة . ناظراً إلى الأرض وهى تبتعد وتلك المنازل و الشوارع وهى تصغر وتصغر . وتصغر معها فرحته بالهجرة التى طالما حلم بها سنوات وسنوات وسعى اليها كثيراً .
شعر بألم غريب فى رأسه وفى روحه وكأنما تتزاحم ذكرياته رافضه السفر معه مصرة على البقاء على أرض هذا البلد . وكأنما جزء من روحه ملتصق بتراب هذه الأرض .
لماذا أنا لست سعيداً ؟؟؟؟
طفا هذا السؤال فى ذهنه تحيط به هالات من التعجب والإستغراب . فقد كان يرغب بشده فى الهجرة وكم سعى إلى هذا مقدماً أوراقه فى هذه السفارة أو تلك . محرراً إستمارات راغبى الهجرة فى كل فرص الهجرة التى اُعلن عنها . حتى جاءته الفرصة للهجرة إلى أمريكا . وكم كانت فرحته لا توصف عند سماع الخبر . كانت أشبه بشخص سار كثير تحت الشمس المحرقة ثم فجأه وجد نفسه فى مكان تغمره برودة التكييف . للوهلة الأولى شعر بالراحة واستنشق هواءاً عليلا واخذ يمنى نفسه بالنهل من تلك الراحة طوال أيايمه القادمة .
ولكن
عندما هدأت أنفاسه وانتظمت حرارة جسده . بدأ يشعر ببرودة المكان وتجمد مشاعره . فالطقس بارد والحب بارد والمشاعر متجمده .
غصة غريبة لها طعم المرار تسير فى حلقه وتجعل جوفه مراً
أين أوجه إخوتى وأبى وأمى
أين اصوات اصدقائى العالية
أين ذكرياتى
ثم تذكر
لقد فتشوا روحه فى السفارة وفى المطار واشترطوا عليه الأ يأخذ معه من ذكرياته شيئاً
فالذكريات تنتمى لهذا البلد . لها جنسيتها وهويتها وطابعها . اذن فلتبقى فيها . فليس معها جواز سفر ولا تأشيرة خروج . إنها منتج مصرى مكتوب عليه "صنع فى مصر"
## وماذا كنت سأفعل ؟؟؟؟
بهذا السؤال الذى صرخ به فى أعماقه انتزع نفسه من دوامة أفكاره
ماذا كان سيفعل والبلد تسير من سئ لأسوأ
الناس ليست الناس .
تغيرت قيمهم
تغيرت أخلاقهم
وتغير حتى أسلوب تدينهم
ألبسوا كل سلبياتهم رداء من دين
وحتى رجال الدين وجدوا فى هذا فائدة لهم حتى لا تذهب عنه سلطة دنيوية وُضِعت تحت أقدامهم ليتحكموا فى أحوال الناس روحياً ودنيوياً . فهذا التشوه فى فهم الدين بمثابة مشروع يدر ربحاً لا يينقطع إلا بتعديل الحال وهو ما لم ولن يسمحوا به . وسيبذلون جهدهم حتى يستمر سواء بالتهديد بالجحيم لمن يخالف أو بالتجاهل لمن لم يبالى بالاعيبهم .
هذا هو حال المنظومة الدينية
اما المجتمع
فقد أصبح مولاً تباع فيه كل انواع الفساد
جنس
مخدرات
شذوذ فكرى وجسدى
انعدام اخلاق
تقطع كل اواصر ورباطات المحبة حتى بين الابن وامه والبنت وأبيها
مجتمع أصبح فى مقدمه الصفوف فى كل ماهو ردئ وقبيح
وفى مؤخرة ترتيب العالم فى التعليم والتقدم والاقتصاد وكل شئ .
كيف كان يمكنه أن يبقى بتلك البلد بعد كل هذا
كان يجب عليه الهروب
فى طائرة
فى مركب
او حتى على ظهر حمار
ولكن
مازالت تلك المرارة تحرق قلبه وروحه
فهو يعشق تراب تلك البلد
انها محبوبته
معشوقته
يختلف معها
يشتمها
يلعن أيامه فيها
وفى آخر اليوم
يرتمى فى حضنها
ليست محبوبته فقط
ولا معشوقته
هى أمه
بيته
جذور روحه
وأنفاس صدره
"مرحباً بكم لقد دخلنا فى الاجواء الأمريكية "
استيقظ من شروده ليجد دمعة تنساب على خده رغماً عنه
مدركاً أنه سيعيش هكذا ممزقاً بين حالين
ان يعيش ميتاً فى وطنه
او ان يموت حياً فى غربته
هانى ملاك

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما رأيك فى مدونة هاجى ؟